اللغة العربية بين الدراسات المعرفية والبحث البيني

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ الدراسات العليا والبحث العلمي في جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية- أبو ظبي‎ ‎

المستخلص

لقد غدت "بينية التخصصات" (interdisciplinarité) حتمية معرفية لا يمكن تجاوزها، إذ تولدت فروع معرفية من حادثة انصهار عدة علوم ومقاربات مختلفة وإن كانت البينية في العصور القديمة واقعة ثقافية يدركها كل من يقرأ في سير الأدباء والعلماء كـ "ابن سينا" (ت427هـ) الذي جمع بين الطب والفلسفة والأدب والموسيقى، فشاعت المعرفة الموسوعية، بما هي رؤيا مختلفة تبتعد عن يوتوبيا التخصص الدقيق وعزلة الجزر المعرفية المتناثرة، التي أفرزها الدرس البنيوي، حين أغلق النصوص/نسقيا في بنيات محايثة Immanence، وقد تمخض هذا الاتجاه المعرفي الجديد في النصف الثاني من القرن العشرين نتيجة للانفجار المعلوماتي، وتغير المعطيات العلمية والحضارية لكل ثقافة وأمة، مما فرض على الدرس العلمي المعاصر التوجه نحو الحقل العابر للتخصصات، لقدرته على حل الإشكالات العالقة التي لم تسعفها جهود أهل الاختصاص الواحد، بل تقتضي التشارك بين عدد من العلوم؛ بهدف توسیع وجهات النظر والوصول إلى أكبر قدر من المخرجات العالية الجودة، كحصيلة تفاعل بين هذه الحقول. ومما لا شك  فيه أن ربط اللغة بالفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع  والأنثروبولوجيا والموسيقى ومختلف الفنون التي تأخذ من طبيعتها وتتصل بها، بالإضافة إلى ربط المناهج النقدية بالتخصصات المتقاربة والمتجاورة؛ كالبلاغة الجديدة والأسلوبية والتداولية... وكتحليل الخطاب، الذي نشأ من تزاوج اللسانيات والنصوص الأدبية، أوجد تلاؤماً تخصصياً بينَيّاً يحدث لأول مرة بطريقة منظمة ومستمرة بين العلوم المعرفية الإدراكية، وعلم النفس المعرفي، وعلم الأعصاب في سبيل سبر أغوار الفهم والإدراك اللغوي عند الإنسان، بالاستفادة القصوى من المجالات العلمية والتكنولوجيا والطب العصبي والنفسي، للتمكن من فهم حقيقة التواصل اللساني، والوقوف على مصدر فهم الإنسان للأشياء، وحل لغز الذاكرة.. وغيرها من الاستعمالات اللغوية.