التمثيل السردي للشخصية العصابية " بياض ساخن " وسنوات التيه" نموذجا

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ مساعد بقسم اللغة العربية - کلية الألسن جامعة عين شمس

المستخلص

النفس الإنسانية عالم بالغ الغموض لا يستطيع أحد الادعاء بأنه استطاع سبر أغواره منذ بدء الخليقة حتى الآن. وقد تعددت محاولات الإنسانية عبر مسيرة تطورها الاقتراب من هذا العالم واقتحامه لتفسير مظاهر السلوک الإنساني واتجاهاته في علاقته بالذات أو بالأخر أو بالکون المحيط به.
 ومن البديهي أن يکون التحليل النفسي هو المجال المعرفي الأکثر اهتماما بهذه الجوانب في الدراسات الإنسانية. ومن البديهي أيضا لأن الإنسان السوي الذي ينعم بالتصالح مع الذات والسلام النفسي والاجتماعي لا يشکل الظاهرة التي تسترعي انتباه المهتمين بالتحليل النفسي فثم افتراض جدلي أنه هذه هي القاعدة، لذا يسترعى انتباههم الشخصية المنحرفة نفسيا عن هذه القاعدة. وقد قسم علم النفس التحليلي الشخصيات المنحرفة نفسيا إلى شخصيات عصابية وشخصيات ذُهانية وأخرى سيکوباتية وغالبا ما يتم الخلط بينها جميعا لدى غير المختصين فيطلقون أيا منها على الشخصيات التي تعاني أي شکل من أشکال عدم السواء النفسي. وتذهب بعض مدارس التحليل النفسي إلى أن مصطلح العُصابية يطلق على الأمراض النفسية Neurosis ، والأمراض الذُهانية Psychosis ، معا وان الفرق بينهما يکمن في أن المريض بالمرض النفسي العصابي يدرک أنه يعاني أمرا غير طبيعي وانه مريض ويحتاج إلى العلاج، بينما المرض الذُهانى يعاني الانفصال عن الواقع ويرفض الاعتراف بأنه مريض قد يعتقد أنه مراقب طوال الوقت. أما الشخصية السيکوباتية Psychopaty فهي الحالة الوسطى بين المرض العصابي والمريض الذهان وهي تطلق على السلوک المنحرف المضاد للمجتمع والخارج على قيمه ومعاييره مثل مدمني المخدرات، ـ والنصابين، والمنحرفين جنسيا، والمصابين بمرض السرقة.
     وتحاول هذه الدراسة مقاربة التمثيل السردي للشخصية العُصابية للتعرف إلى کيفية تناول الإبداع السردي الشخصية العصابية. وقد اتخذت روايتا : "بياض ساخن" لسهير المصادفة ، و" سنوات التيه" لشاهيناز الفقى  للتعرف على آليات التعبير عن الشخصية  العصابية وأسباب مرضها واعراضه في الإبداع السردى.
بعد هذه القراءة التحليلية للشخصية العصابية في الروايتين نجد أن کلا من الکاتبتين قد تزودت بقدر غير قليل من القراءات في التحليل النفسي حتى تستطيع التعبير عن لا وعى الشخصية العصابية على النحو الذى رأيناه، فسهير المصادفة تعرض على لسان شخصياتها مصطلحات علم النفس التي تصف الحالة المرضية التي تعرضها توخيا لدقة المعلومات وإمعانا في دقة التعبير عن الحالة المرضية التي تشکل موضوعها السردي، فيرد في حوارات الشخصيات مصطلحات، شيزوفرنيا، ثنائي القطب ، و بارانويا والفصام.، وأسماء بعض العقاقير الطبية المستخدمة في علاج مثل هذه الحالات .ومع اهتمام الکاتبة بالمرجعية العلمية في وصف المرض، وأسبابه وأعراضه فإنها ذهبت مذهب العامة في الخلط بين مريض الفصام، ومريض تعدد الشخصيات Multiple Personalities في رسم شخصية لولا.
ومن خلال شخصية الدکتور خالد عرضت أيضا شاهيناز الفقى کثيرا من التعريفات الطبية للأمراض النفسية والعصبية کالاکتئاب، ومتلازمة الجمال النائم، ومتلازمة انقطاع التنفس عند النوم، والبارانويا.
اهتمت سهير المصادفة في تفسير أسباب الإصابة بالمرض بتناول معظم الأسباب المتوقعة للإصابة به على مستوى المرجعية العلمية ، فاستقصت عوامل الوراثة، والعلاقات الأسرية، والظروف السياسية والاجتماعية التي تدفع إلى الإصابة بالمرض العصابي، لتطرح ضمنا رؤيتها الأيديولوجية لملابسات مرحلة ما بعد ثورة يناير، وحکم الإخوان، وانقسام المجتمع المصري فى تلک المرحلة.  فى نقد لاذع للظروف السياسية والاجتماعية. بينما انصب اهتمام شاهيناز الفقى على الأسباب الذاتية المتعلقة بالإخفاقات العاطفية وعدم تحقق الذات أسبابا للمرض النفسي من خلال شخصية ناديا. وخطورة العلم الذي يؤدى بصاحبه أحيانا إلى درجة خطيرة من المرض إذا ما تعرض صاحبه لأزمة نفسية لم يقو على احتمالها، مثل الدکتور خالد الذي استطاع أن يخلق هذا العالم الوهمى بکل ما فيه من علاقات متشابکة.
وفى تناولهما أعراض المرض کانت تقنيات تيار الوعى فى التعبير عن وعى الشخصيات في مستوياته المختلفة التقنية الفنية التي استطاعت أن ترسم صورة لتشوش الأفکار، وتدافع مخزون اللاوعي عند الشخصيات من خلال التداعي الحر للأفکار، أو أحلام اليقظة، أو الأحلام والکوابيس. ومن ثم فقد قدمت کل من سهير المصادفة وشاهيناز الفقى نماذج إبداعية للشخصية العصابية اتسمت بالحيوية وتعدد أبعادها الفنية مما يجعلها شخصيات حية قابلة للتصديق.
 

الكلمات الرئيسية


سهیر المصادفة: بیاض ساخن: الدار المصریة اللبنانیة فی القاهرة، ط1، سنة 2015.
- شاهیناز الفقى: سنوات التیه، مکتبة زهراء الشرق، القاهرة، ط1، سنة 2018